العنصر الأولتوبة كاذبةقال منصور بن عمار : كان لي صديق مسرف على نفسه ثم تاب ، وكنت أراه كثيراً .. كنت أراه كثيراً من العباد والقوام والصوّام .. أراه كثير العبادة والتهجد ففقدته أياماً فقيل لي : هو مريض . فأتيت إلى داره فخرجت إليّ ابنته.
فقالت : من تريد.
قلت: قولي لأبيك: فلان .. فاستأذنت لي ثم دخلت فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه وقد اسودّ وجهه ، وأذرفت عيناه ، وغلظت شفتاه .
فقلت له وأنا خائف منه : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله .. ففتح عينيه فنظر إلي بشدة ثم غشي عليه .
فقلت له ثانياً : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله.. ثم كررتها عليه ثالثاً , ففتح عينيه فقال : يا أخي منصور هذه كلمة قد حيل بيني وبينها .. هذه كلمة قد حيل بيني وبينها ..
فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ثم قلت له : يا أخي أين تلك الصلاة والصيام والتهجد والقيام ..
فقال : كان ذلك لغير الله .. كان ذلك لغير الله ..وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأُذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء للناس ، فإذا خلوت إلى نفسي أغلقت الأبواب وأرخيت الستور وشربت الخمور وبارزت ربي بالمعاصي .. ودمت على ذلك مدة فأصابني المرض وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي هذه : ناوليني المصحف ، فقلت بعد أن أخذت المصحف : اللهم بحق كلامك في هذا المصحف العظيم إلا ما شفيتني وفعت عني البلاء ، وأنا أعاهدك أن لا أعود إلى ذنب أبداً .. ففرج الله عني .. ففرج الله عني .. فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو واللذات وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي ، فبقيت على ذلك مدة من الزمن فمرضت مرة ثانية أشرفت حينها على الهلاك والموت فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي ثم دعوت بالمصحف وقرأت فيه ثم رفعته وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلاّ ما فرجت عني ورفعت عني البلاء ، فاستجاب الله مني ورفع عني .. ثم عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والضياع ما كأني عاهدت الله أن لا أعود..فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ثم دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد منه .. دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد منه ..فعلمت ان الله سبحانه قد غضب علي فرفعت رأسي إلى السماء وقلت : اللهم فرج عني يا جبّار السماء والأرض .. اللهم فرج عني يا جبّار السماء والأرض ..فسمعت كأن هاتفاً يقول :
تتوب عن الذنوب إذا مرضت
وترجع للذنوب إذا برأت
فكم من كربة نجّاك منها
وكم كشف البلاء إذا بليت
أما تخشى بأن تأتي المنايا
وأنت على الخطايا قد لهوتقال منصور بن عمار : فوالله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات ، فما وصلت الباب إلا وقيل لي إنه قد مات ..
حيل بينهم وبين ما يشتهون ..
نعم أحبتي .. نعم أحبتي.. التوبة ليست نطق باللسان ، إنما هي ندم بالقلب وعزم على عدم العودة إلى الماضي المرير .
ومن شروط صحة التوبة أن تكون قبل معاينة أمور الآخرة فمن باشره العذاب أو عاين الموت فقد فاته موسم القبول ..من عاين الموت وباشر العذاب فقد فاته موسم القبول ..
والله ما صدق صادقٌ فرُدّ عن الأبواب ، ولا أتى الباب مخلصٌ فصُدّ عن رب الأرض والسماء ورب الأرباب .
إنما الشأن في صدق التوبة ، لذلك قال الله
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )يا ربي عفوك لا تأخذ بزلتنا
وارحم يا ربي ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضر يحل بنا
فلما تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
ولما وصلنا إلى الشاطي عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة
وما سقطنا لأنَّ الحافظ الله
فأين الشباب اليوم ؟
أين الصادقون ؟
أين الذين يتوبون ثم يستقيمون ويصدقون .إنَّ لأمة اليوم في أمس الحاجة لشبابها وفتياتها الذين يعتزون بدينهم ويتمسكون بعقيدتهم ويفخرون بماضيهم .. فوالله الذي لا إله إلاَّ هو لا زال في أمتنا خير وفي شبابها خير وفي فتياتها خير بل حتى في أطفالها خير..
مع البداية أهمس لك همسة ..أهمس لك همسة مع البداية ..
كان هناك فتاة عابدة صوّامة قوّامة في عمر الورود والأزهار من بنات هذا الجيل لا من بنات الأجيال الماضية ..تقدم لها شاب فترددت فقيل لها : لماذا التردد ولماذا لا توافقين ، قالت : أحب الصيام والقيام .. قالت :أحب الصيام والقيام ..فقيل لها : إنَّ خدمة الزوج عبادة وقربة إلى الله فأنت في خير وعبادة ، فاستخارت ثم قطعت التردد بالموافقة .. قالت : لكن بشرط .. قالت :لكن بشرط ..وشرط واحد ليس لي شرط سواه ..قالوا : وما هو.. قالت : أن يأذن لي بصيام ثلاثة أيام من كل أسبوع .. أن يأذن لي بصيام ثلاثة أيام من كل أسبوع ..فهي تعلم أنَّ صيام النافلة لا بدَّ أن يكون بإذن زوجها ..فأخبروه ففرح بالشرط ووافق , وفرحت هي بموافقته وزُفََّت إليه وبُني بيت على تقوى من الله ورضوان ..
الله أكبر.. نريد بيوتاً تبنى على مثل هذا .. على صيام بالنهار وقيام بالليل..
من مثل هذه البيوت يتخرج الرجال والأبطال ..
وإليك أنت أيضاً همسه.. أهمسها مع البداية ..
اعلم بارك الله فيك أن كل الأبطال تخرجوا من مدرسة الليل ، ففي الظلام تعلموا الإخلاص والإقدام ..
اعلم أنك لن تكون فارساً مغواراً بالنهار حتى تتعلم الفروسية والرهبانية بالليل ..
أُخبرت عن شاب نحيل الجسم ، كثير الحياء ، قليل الكلام ، همه الإسلام والعمل للدين ..لم يتجاوز السابعة والعشرين لكنه ذو رأي وقول سديد ..موفق والتوفيق بيد الله ..يقول أحد الشباب : رافقته مراراً في رحلات دعوية .. كم أصابنا فيها من التعب والإرهاق والمشقة والعناء , ومع هذا رأيت منه عجب العجاب .. كان صاحب قيام ليل وليس بأي قيام .. بل قيام طويل تتعب منه الأقدام ..
أحبتي كثير هم الذين يقومون لكن أين قيام من قيام .. من وقف دقيقة ليس كمن وقف ساعة ..
يقول الشاب عن صاحب ذلك الجسم النحيل كان يقوم في الليلة الواحدة بخمسة أجزاء من القرآن.. كان يقوم في الليلة الواحدة بخمسة أجزاء من القرآن وما تخلف عن ذلك ليلة واحدة مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال
..قلت : هكذا هم الصادقون
.. قلت : هكذا هم الصادقون .. (
كانوا قليلاً من الليل مايهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) هكذا هم الصادقون .. (
تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ) ..
إن أمة تمتلك أمثال هؤلاء الفتيات والفتيان أمة لا تقهر ولا تغلب بإذن الله ..ولكنها تمتحن وتبتلى حتى يأتي أمر الله وحينها (يفرح المؤمنون) وحينها (
سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)